قبسات من حياة النبي صلي الله عليه و آله و اهل بيته عليهم السلام

اشارة

سرشناسه : غدير، حيدرعبدالكريم

عنوان و نام پديدآور : قبسات من حياة النبي صلي الله عليه و آله و اهل بيته عليهم السلام/بقلم حيدر عبدالكريم.

مشخصات نشر : تهران: مشعر، 1387.

مشخصات ظاهري : 72 ص.؛.م س 17×11

شابك : 4000 ريال :978-964-540-091-8

وضعيت فهرست نويسي : فيپا

يادداشت : عربي.

يادداشت : كتابنامه به صورت زيرنويس.

موضوع : چهارده معصوم -- سرگذشتنامه.

رده بندي كنگره : BP36/غ37ق2 1387

رده بندي ديويي : 297/95

شماره كتابشناسي ملي : 1210243

ص:1

اشارة

ص: 2

الإهداء

اقدّم هذا الجهد المتواضع هديّة إلى سليلة النبوة، بضعة المصطفى، وحليلة المرتضى، و سيّدة النساء، امّ الأئمّة، فاطمة الزهراء عليها السلام، عسى أن تشفع لي ولأبويّ يوم الحساب.

ص: 3

ص: 4

ص: 5

المقدمة

الحمد للَّه رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلائق أجمعين محمّد وآله الطاهرين.

إن اللَّه سبحانه وتعالى أسبغ علينا نعماً لا تعدّ ولا تحصى فقال عزّ من قائل: (وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها) (1) 1، فهذه هي النعم الظاهرة، وأما الباطنة فهي أكثر من ذلك وأعظم. ومن أعظم النِّعم وأسبغها هي نعمة النبي صلى الله عليه و آله وأهل بيته عليهم السلام الذين أخرجونا من عمى الضلال إلى نور الهدى، وأنقذونا من الهويّ في حُفر النيران، (وَ كُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها) (2) 2، ولولا النبي وأهل


1- إبراهيم: 34
2- آل عمران: 103

ص: 6

بيته لكنّا كالأنعام بل أضلّ سبيلًا (إِنْ هُمْ إِلّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) (1) 3 فبنورهم اهتدينا، وبالانتساب اليهم تشرّفنا.

وأداء لأبسط حقوق نبينا وأهل بيته علينا، وامتثالًا لأبسط ما يجب علينا تجاههم، ينبغي لنا معرفتهم بما يليق بشأنهم، فإن لم نقدر على ذلك فبما تيسر لنا من ذلك كي نتبعهم ونسير على نهجهم.

نبينا الأعظم وأهل بيته معرفة إجمالية؛ أداء لأبسط حقوقهم.

الكتاب الذي بين يديك أيّها القارئ الكريم خلاصة موجزة تبيّن جانباً من الجوانب الكثيرة والمفعمة من حياة هؤلاء العظماء الذين عجز الحكماء عن معرفتهم، وأعيا الأدباء والبلغاء دون وصفهم، فما عساي أن أقوله فيهم سوى الاعتراف بالتقصير والقصور عن معرفتهم، وأستميحهم عذراً.

حيدر عبد الكريم


1- الفرقان: 44

ص: 7

14 ربيع الثاني 1429 هجرية

قبسة من حياة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله

هو سيّد المرسلين، وخاتم النبيين، وأشرف الخلائق أجمعين، اسمه في السماء أحمد، وفي الأرض محمّد، وكنيته أبو القاسم.

أبوه عبد اللَّه بن عبد المطّلب الهاشمي، وامّه آمنة بنت وهب، ومرضعته حليمة السعدية.

بزغت شمس الهداية بولادته صلى الله عليه و آله في مكّة المكرّمة في السابع عشر من شهر ربيع الأوّل عام الفيل، وشعّت أنواره في أرجاء العالم فزلزل إيوان كسرى، وخمدت نار فارس، وعميت على السحَرَة والكُهّان امورهم.

ولد صلى الله عليه و آله يتيماً، فكفله جدّه عبد المطّلب، وتوفّيت امّه وهو في السادسة من عمره الشريف. ولمّا بلغ الثامنة توفّي جدّه عبد المطّلب، فكفله عمّه وناصره أبو طالب، وكان

ص: 8

يحبّه حبّاً شديداً.

نشأ صلى الله عليه و آله متحلّياً بفاضل الصفات ومكارم الأخلاق، حتّى اشتهر بالصادق الأمين. وممّا يبيّن خلقه السامي وصف اللَّه سبحانه له بما لم يصف به أحداً غيره، ففي الوقت الذي وصف نِعَم الدنيا بقوله: «وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها» (1) 4، وصفها بقوله: «مَتاعٌ قَلِيلٌ» (2) 5، وعندما خاطب نبيّنا صلى الله عليه و آله وصفه بقوله: «وَ إِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ» (3) 6، مما يبين عظمته وفضله.

ولمّا بلغ الخامسة والعشرين من عمره الشريف تزوّج بامّ المؤمنين خديجة الكبرى، وهي يومئذ من أشرف نساء قريش، وأكثرهنّ مالًا.

بُعث في الأربعين من سنيّه الميمونة، في السابع والعشرين من شهر رجب المرّجب، فبدأ تبليغ رسالته بأهله وعشيرته، فكان أوّل من آمن به أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب عليه السلام، وامّ المؤمنين خديجة. ثمّ صدع بالرسالة بين أرجاء المجتمع الذي سادت عليه قوانين الجاهليّة


1- النحل: 18
2- المصدر السابق: 117
3- القلم: 4

ص: 9

الظلماء، وتحمّل من أجلها أشدّ الأذى من قريش، حتّى قال: «

ما اوذي نبيّ مثل ما اوذيت

». بل من شدّة عدائها له عزمت على قتله، فجمع أبو طالب بني عبد المطلب وأمرهم أن يُدخلوا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله شِعبهم، وأن يمنعوه ممّن أراده بسوء، فاجتمع على ذلك مسلمهم وكافرهم. فلمّا عرفت قريش ما عزم عليه بنو هاشم اجتمعت على قطع العلاقات الاجتماعية والاقتصادية مع بني هاشم، فلبثوا في الشعب ثلاث سنين، وكانت عليهم فترة عصيبة اشتدّ فيها البلاء على بني هاشم عموماً، وعلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله خصوصاً؛ حيث توفّي فيها سنده وعمّه أبو طالب، كما توفّيت فيها زوجته ومعينته خديجة، فاشتدّ ذلك على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله.

وبعد اشتداد الوطأة هاجر مع المسلمين إلى المدينة، وأسّس بها دولته الجديدة، وشرعها بشدّ الأواصر بين المسلمين؛ فآخى بين المهاجرين والأنصار، واختار عليّاً أخاً له، فصار المسلمون اسرة واحدة يكفل بعضهم بعضاً.

أدّب أصحابه والمسلمين على مكارم الأخلاق، فمن أقواله في ذلك: «

طُوبى لِمَن حَسَّنَ مَعَ الناسِ خُلقَه وبَذَلَ لَهُم مَعونَتَهُ، وعَدَلَ عَنهُم شَرَّهُ» (1) 7

، وقوله: «

ارحَموا عَزيزاً ذَلَّ،


1- الكافي ج 8 ص 169، ح 190

ص: 10

وغَنِيّاً افتَقَرَ، وعالِماً ضاعَ في زَمانِ جُهّالٍ» (1) 8

. ولمّا اقترب أوان رحيله صلى الله عليه و آله أذّن في الناس للحجّ، فحجّ المسلمون مع النبيّ حجّة الوداع، وفي طريق العودة إلى يثرب وفي غدير خمّ هبط الأمين جبرئيل بقوله تعالى:

«يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ ...» (2) 9 كما صرّح بذلك جلال الدين السيوطي في تفسيره (3) 10، ورواه الحاكم النيسابوري في المستدرك عن زيد بن أرقم، وصحّحه، قال:

«خَرَجنا مَعَ رَسولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله حَتَّى انتَهَينا إلى غَديرِ خُمٍّ فَأَمَرَ بِروحٍ فَكُسِحَ في يَومٍ ما أتَى عَلَينا يَومٌ كانَ أَشَدَّ حرّاً مِنهُ، فَحَمِدَ اللَّهَ وأَثنى عَلَيهِ ... ثُمَّ قامَ فَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ فَقالَ: يا أَيُّهَا النّاسُ، مَن أولى بِكُم مِن أنفُسِكُم؟ قالُوا: اللَّهُ ورَسولُهُ أعلَمُ. قالَ: مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ» (4) 11

، فكان هذا


1- الكافي، ج 8 ص 150، ح 131
2- المائدة، 67
3- الدرّ المنثور، ج 2، ص 298
4- المستدرك على الصحيحين، ج 3، ص 533

ص: 11

خاتمة تبليغ الرسالة، وإشعار بالرحيل.

وقضى نحبه في 28 صفر من السنة الحادية عشرة بعد الهجرة، فحلّت على المسلمين بفقده أعظم مصيبة، وضجّت المدينة بالبكاء والنحيب، ودُفن في داره الملاصقة لمسجده الشريف، وحيث هو اليوم، فصار قبره الشريف محطّ رحال الزائرين والحجّاج من أرجاء العالم، فصلّى اللَّه عليه وآله أبداً دائماً سرمداً، والسلام عليه يوم ولد ويوم قبض ويوم يبعث حياً.

ص: 12

قبسة من حياة أمير المؤمنين عليه السلام

هو عليّ بن أبي طالب (1) 12 بن عبد المطّلب الهاشمي. وامّه فاطمة بنت أسد الهاشميّة.

ولد عليه السلام يوم الجمعة الثالث عشر من شهر رجب، بعد ثلاثين سنة من عام الفيل. وقد تواترت الأخبار من طرق الفريقين بأنّ ولادته وقعت في جوف الكعبة المعظّمة، ولم يولد قبله ولا بعده في بيت اللَّه تعالى أحد سواه؛ إكراماً من اللَّه تعالى له، وإجلالًا لشأنه.

نشأ في حجر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وكان يحبّه حبّاً شديداً، حتى كان يلقمه اللقمة بعد مضغها. وقد وصف سيّد الوصيّين، أمير المؤمنين منزلته القريبة من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله


1- أبو طالب هو عبد مناف بن عبد المطّلب، عمّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وكفيله وناصره

ص: 13

بقوله: «

قَد عَلِمتُم مَوضِعي مِن رَسولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله بِالقَرابَةِ القَريبَةِ، وَالمَنزِلَةِ الخِصّيصَةِ؛ وَضَعَني في حِجرِهِ وأنا وَلَدٌ، يَضُمُّني إلى صَدرِهِ،... وكانَ يَمضَغُ الشَّي ءَ ثُمَّ يُلقِمنِيهِ» (1) 13

. ولمّا نشأ وترعرع في هذا الحِجر الطاهر وسطعت أنوار البعثة في جبين مبعوث الهداية آمن به قبل جميع الناس، آمن به حين كفر به أقرباؤه وعشيرته، آمن به ولم تمضِ من عمره الشريف إلّاعشر سنين، فكان أوّل مؤمن من الرجال.

وحين صدع النبيّ صلى الله عليه و آله بتبليغ الرسالة آزره منذ اليوم الأوّل، فارتقى ظهره الشريف وحطّم أصنام قريش وآلهتها، وذبّ عنه ودفع عنه أذاهم. ولمّا عزموا على قتله فداه بنفسه بالمبيت على فراش النبي صلى الله عليه و آله ليلة خروجه إلى المدينة، فأكرمه اللَّه بذلك وأنزل في حقّه آية، قال ابن أبي الحديد:

«وقد روى المفسّرون كلّهم إن قول اللَّه تعالى: «وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ» (2) 14 انزلت في علي عليه السلام ليلة المبيت على الفراش» (3) 15.

شهد جميع حروب النبي صلى الله عليه و آله منذ نعومة أظفاره، وله


1- نهج البلاغة، الخطبة 192
2- البقرة، 207
3- شرح نهج البلاغة: ج 13، ص 261

ص: 14

مواقف معروفة مشهورة في بدر واحد وحنين والأحزاب وغيرها، فنازل أبطال العرب وهو حدِث السنّ، وقتل على صغر سنّه مرحباً وابن عبد ودّ وغيرهما من أعلام الفرسان والشجعان، فهابت الأبطال مواجهته، وأحجم الفرسان عن منازلته، وأخذ الفزع يقلقل قلوبهم عند سماع اسم «علي».

زوّجه النبيّ صلى الله عليه و آله ابنته فاطمة عليها السلام؛ إذ لم يكن لها كفؤ سواه، فصار صهره وأبا ذرّيته. ولمّا دنا رحيله إلى جوار ربّه نزل جبرئيل الأمين بقوله تعالى: «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ ...» (1) 16 فنصبه وصيّاً وإماماً وخليفة على الأُمّة من بعده في الثامن عشر من ذي الحجّة من السنة العاشرة للهجرة عند منصرفه من حجّة الوداع، فرفع صوته بين أكثر من مئة ألف مسلم قائلًا: «

ألَستُ أولى بِالمُؤمِنينَ مِن أنفُسِهِم؟ قالوا: بَلى. فَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ رضى الله عنه فَقَالَ: مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ اللَّهّم والِ مَن والاهُ وعادِ من عاداهُ» (2) 17

. كان العلم من أبرز صفاته، كما شهد به المؤالف والمخالف، فكان له إلمام بمختلف العلوم، بل هو باب علوم


1- المائدة، 67
2- المعجم الكبير للطبراني، ج 5 ص 194، الأمالي الطوسي، ص 255 ح 459

ص: 15

رسول اللَّه صلى الله عليه و آله كما وصفه النبي صلى الله عليه و آله بقوله: «

أنا مَدينةُ العِلمِ وعَلِيٌّ بابُها» (1) 18

، والروايات المأثورة عنه نِعم شاهد على ذلك، حيث روي عنه في شتى العلوم؛ من التفسير والتأويل، وبيان الأحكام، والقضاء بين الناس، وغير ذلك، بل إنّ خطبه في التوحيد معروفة، وقضاياه بين الناس مشهورة، حتى اشتهر عن عمر بن الخطاب قوله: «لا أبقانِي اللَّهُ لِمُعضِلَةٍ لَيسَ لَها أبو حَسَنٍ» (2) 19. بل قال كلمة لم تصدر عن غيره قطّ فكان يتنفّس الصعداء ويقول على المنبر: «

سَلوني قَبلَ أن تَفقِدوني؛ فَإنَّ بَينَ الجَوانِحِ مِنّي عِلماً جَمّاً» (3) 20

. وما اختاره الشريف الرضي في نهج البلاغة من خطبه وكتبه وقصار حكمه خير شاهد لما ذكرناه.

فمن حكمه قوله: «

مَن أَبْطَأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ» (4) 21

، وقال عليه السلام: «

ما أَضْمَرَ أَحَدٌ شَيْئاً إِلّا ظَهَرَ فِي فَلَتَاتِ لِسَانِهِ وَصَفَحَاتِ وَجْهِهِ» (5) 22

، وقال أيضاً: «

الْغِنَى فِي الْغُرْبَةِ وَطَنٌ،


1- تاريخ دمشق، ج 9، ص 20، تحف العقول، ص 430
2- أنساب الأشراف، ص 100
3- التوحيد، ص 92- 93
4- نهج البلاغة، الحكمة 23
5- المصدر السابق، الحكمة 26

ص: 16

وَالفَقرُ فِي الوَطَنِ غُربَةٌ» (1) 23

. تولّى خلافة المسلمين بعد مضيّ مدّة مديدة من رحيل النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله، وبعد التهاب الأوضاع، وتراكم المشاكل، وانثيال الناس عليه بالبيعة، فتقلّد الامور وسار في الناس بالعدل، وأحيا سيرة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فواجه من مناوئيه والمتضرّرين بتطبيق العدالة حروباً سياسيّة وإعلاميّة وعسكريّة، كان في طليعتها حرب الناكثين في الجمل، والمارقين في صفّين، والقاسطين في النهروان.

وفي التاسع عشر من شهر ضيافة اللَّه سنة أربعين غدر به عبد الرحمن بن ملجم المرادي في جامع الكوفة فضربه أثناء صلاة الصبح على رأسه بالسيف، فخرّ في المحراب صريعاً على وجهه منادياً:

«فزت وربّ الكعبة» (2) 24

. واستشهد في الحادي والعشرين من شهر رمضان، فساد الحزن والأسى قلوب المؤمنين، فصلّى اللَّه عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيّاً.


1- نهج البلاغة، الحكمة 56
2- شرح نهج البلاغة، ج 1، ص 207

ص: 17

قبسة من حياة فاطمة الزهراء عليها السلام

هي فاطمة بنت خير البريّة محمّد بن عبد اللَّه صلى الله عليه و آله، وامّها خديجة الكبرى.

لها تسعة أسماء: فاطمة، والصدّيقة، والمباركة، والطاهرة، والزكيّة، والراضية، والمرضيّة، والمحدّثة، والزهراء.

ولدت عليها السلام في العشرين من جمادى الآخرة بعد عامين من البعثة، وقيل بعد خمس. ولم يعِش لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله ولد ذكر، فعابه قريش بأنّه أبتر لا ذريّة له، فنزل عليه جبريل عليه السلام بسورة الكوثر ليسكّنه ويسلّيه بها، فكانت فاطمة كوثراً مغدقاً عذباً، يروي القلوب والأرواح بماء الهداية، وصار جميع من يتشرّف بالانتساب إلى النبيّ

ص: 18

الأكرم صلى الله عليه و آله من ذرّيّتها.

كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يُكنّ لها محبّة خاصّة من بين أهله، ولها منزلة خاصّة في نفسه الشريفة، فكان يقول في حقّها:

«أمّا ابنتي فاطِمَةُ فإنّها سَيِّدَةُ نِساءِ العالَمينَ مِنَ الأوَّلينَ وَالآخِرينَ، وهِيَ بَضعَةٌ مِنّي، وهِيَ نُورُ عَينَيَّ، وهِيَ ثَمَرَةُ فُؤادي، وهِيَ روحِيَ الَّتي بَينَ جَنبَيَّ، وهِيَ الحَوراءُ الإنسِيَّة» (1) 25

. ويقول أيضاً: «

فاطِمَةُ بَضعَةٌ مِنّي، مَن سَرَّها فَقَد

سَرَّني، ومَن ساءَها فَقَد ساءَني، فاطِمَةُ أعَزُّ البريّة عَلَيَّ» (2) 26

. كان إذا سافر جعل آخر عهده بها فكانت آخر من يلقاه من أهله، وإذا آب من سفره دخل عليها أولًا، فهي أوّل من يلقاه من أهله جميعاً.

كانت إذا دخلت على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله رحّب بها، وأجلسها في مجلسه، وإذا دخل عليها قامت إليه، فرحّبت به و قبّلت يديه.

أقامت مع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بمكّة ثمان سنين، ثم هاجرت معه إلى المدينة فزوّجها من عليّ عليه السلام بعد سنة من الهجرة، ولم يكن لها كفؤ على وجه الأرض سواه، فولدت له أربعة


1- الأمالي للصدوق، ص 112، ح 2
2- الأمالي للمفيد، ص 260، ح 2

ص: 19

أولاد: حسن، وحسين، وزينب، وامّ كلثوم عليهم السلام.

كانت أشبه الناس كلاماً وحديثاً برسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وما تخرم مشيتها مشيته.

كانت مفطومة بالعلم كما قال أبو جعفر الباقر عليه السلام:

«وَاللَّهِ لَقَد فَطَمَهَا اللَّهُ بِالعِلمِ» (1) 27

، وكانت من النساء اللاتي اختارهنّ اللَّه من بين نساء العالمين كما قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:

«إنَّ اللَّهَ عز و جل اختارَ مِنَ النِّساءِ أربَعاً؛ مَريمَ، وآسيةَ، وخَديجَةَ، وفاطِمَةَ» (2) 28

. ولمنزلتها الرفيعة عند اللَّه قال رسول اللَّه في حقّها: «

إنَّ اللَّهَ لَيَغضَبُ لِغَضَبِ فاطِمَةَ، ويَرضى لِرِضاها» (3) 29

. كان من خصالها أنّها تدعو للمؤمنين والمؤمنات ولا تدعو لنفسها، فقيل لها: يا بنت رسول اللَّه إنّك تدعين للناس ولا تدعين لنفسك؟! فقالت: «

الجارُ ثُمَّ الدار» (4) 30

. ولمّا قبض النبيّ صلى الله عليه و آله اشتدّ عليه حزنها، وعظمت به مصيبتها، فلم تزل بعده ناحلة الجسم، منهدّة الركن، باكية العين، محترقة القلب، فكانت تبكيه ليلًا ونهاراً، حتّى ورد


1- الكافي، ج 1، ص 460 ح 6
2- الخصال، ج 1، ص 225، ح 58
3- الأمالي للمفيد، ص 94، ح 4
4- أنظر علل الشرايع، ج 1، ص 182، ح 2

ص: 20

عدّها في البكّائين فعن الإمام الصادق عليه السلام: «

البَكّاؤونَ خَمسَةٌ: آدَمُ ويَعقوبُ ويوسُفُ وفاطِمَةُ بِنتِ مُحمَّدٍ وعَلِيُّ بنُ الحُسَينِ... وأمّا فاطِمَةُ فَبَكَت عَلى رَسولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله حَتّى تَأذّى بِها أهلُ المَدينَةِ فقالوا لَها: قد آذَيتِنا بِكَثرَةِ بُكائِكِ، فَكانَت تَخرُجُ إلَى مَقابِرِ الشُّهَداءِ فَتَبكي حَتّى تَقضي حاجَتَها ثُمّ تَنصَرِفُ» (1) 31

. ومما روي عنها أنَّها قالت: «

ما يَصْنَعُ الصَّائِمُ بِصِيامِهِ إِذا لَمْ يَصُنْ لِسانَهُ وَسَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَجَوارِحَهُ» (2) 32

. أقامت مع علي عليه السلام بعد وفاة أبيها خمسة وسبعين يوماً، وقيل أربعين يوماً، وقيل ثلاثة أشهر، وتوفّيت صلوات اللَّه عليها في الثامن عشر من عمرها الميمون، فدُفنت ليلًا بوصيّة منها، واخفي قبرها، ولا يعلم موضعه إلى هذا اليوم، فقيل إنّه في مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بين القبر والمنبر، وقيل إنّه في البقيع. فسلامٌ عليها يوم ولدت، ويوم قبضت، ويوم تبعث اخرى.


1- كشف الغمّة، ج 1، ص 498
2- دعائم الإسلام، ج 1، ص 268

ص: 21

قبسة من حياة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام

هو الحسن بن عليّ بن أبي طالب بن عبد المطّلب بن هاشم الهاشمي القرشي، السبط الأكبر لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وريحانته من الدنيا، وسيّد شباب أهل الجنّة، امّه فاطمة عليها السلام.

كنيته أبو محمّد، وله ألقاب كثيرة، منها: الزكيّ، والمجتبى، والسبط الأول، والسيّد، والأمين، والبرّ، والتقيّ، والزاهد.

ولد عليه السلام في المدينة- على مشرّفها أفضل التحيّة والسلام- يوم الثلاثاء النصف من شهر رمضان من السنة الثانية بعد الهجرة.

كان ربع القامة، ذا محاسن سافرة، وقسمات ظاهرة،

ص: 22

وجهه يشرق حسناً، وشكله قد كمل صورة ومعنى، وكان أشبه الناس برسول اللَّه صلى الله عليه و آله.

له خمسة عشر ولداً بين ذكر وانثى، استُشهد بعضهم في كربلاء مع أبي عبد اللَّه الحسين عليه السلام.

باهل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله به وبأخيه نصارى نجران، فنزل فيهما قوله تعالى: «تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ» (1) 33. وهو أحد أصحاب الكساء الذين خصّهم اللَّه تعالى بقوله: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهّرَكُمْ تَطْهِيرًا» (2) 34.

عرفه المؤالف والمخالف بالكرم والسخاء، فكان يجود بما عنده قبل سؤال السائل. كما كان في الحلم غايته، ممّا حدا بالبعض للعدول من البغض إلى المحبّة؛ ومن طريف ذلك أنّ شامياً رآه راكباً فجعل يلعنه، والحسن عليه السلام لا يردّ، فلمّا فرغ أقبل إليه الحسن عليه السلام فسلّم عليه وضحك، وقال: أيّها الشيخ أظنّك غريباً، ولعلّك شبهت، فلو استعتبتَنا أعتبناكَ، ولو سألتَنا أعطيناكَ، ولو استرشدتَنا أرشدناكَ، ولو استحملتَنا أحملناكَ، وإن كنت جائعاً أشبعناكَ، وإن كنتَ عرياناً كسوناكَ، وإن كنتَ محتاجاً أغنيناكَ، وإن كنت طريداً


1- آل عمران، 61
2- الأحزاب، 33

ص: 23

آويناكَ، وإن كان لك حاجةٌ قضيناها لك. فلمّا سمع الرجل كلامه بكى، ثم قال: أشهد أنّك خليفة اللَّه في أرضه، «اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ» (1) 35، كنتَ أنتَ وأبوك أبغض خلق اللَّه إليّ، والآن أنتَ أحبّ خلق اللَّه إليّ.

ومما روي عنه في قصار حكمه قوله عليه السلام: «

ما تَشاوَرَ قَومٌ إلّاهُدوا إلى رُشدِهِم» (2) 36

، و قوله: «

اللُّؤمُ أن لا تَشكُرَ

النِّعمَةَ» (3) 37

، وقوله: «

مَن قَلَّ ذَلَّ، وخَيرُ الغِنى القُنوعُ، وشَرُّ

الفَقرِ الخُضوعُ» (4) 38

، وقوله: «

إذا سَمِعتَ أحَداً يَتَناوَلُ أعراضَ

النّاسِ فَاجتَهِد أن لا يَعرِفَكَ؛ فَإنَّ أشقَى الأَعراضِ بِهِ مَعارِفُهُ» (5) 39

. شارك أباه في حروبه كلّها، ونصر الحقّ بسِنانه ولسانه طول حياته، ولمّا استشهد أمير المؤمنين عليه السلام استقلّ بأعباء الإمامة بعده، وبايعه الناس بالخلافة في اليوم الثاني والعشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة.

وللظروف الحاكمة على الامة الإسلاميّة آنذاك ولما كان يعانيه من قلّة الناصر وندرة المؤازر، رأى المصلحة في


1- الأنعام، 124
2- تحف العقول، ص 233
3- المصدر السابق
4- العدد القوية، ص 38
5- نزهة الناظر وتنبيه الخاطر، ص 76، ح 27

ص: 24

إمضاء معاهدة الصلح مع معاوية، بعد تعهّد معاوية بالعمل بالبنود والشروط المذكورة فيها. وقد عانى من أهل زمانه وأصحابه بسبب توقيع هذه المعاهدة أشدّ البلايا والمحن، فعُذل، وقيل له: يا مذلّ المؤمنين، ومُسوِّد الوجوه، حتّى خاطبه بذلك بعض أصحابه ومن يعدّ في أشياعه، فضلًا عن غيرهم.

ولمّا عزم معاوية على عقد البيعة لابنه يزيد ومخالفة بنود الاتّفاقية ونقضها صراحة أغرى جعدة بنت الأشعث- زوجة الإمام- كي تدسّ له السمّ، وأرسل إليها سمّاً ذعافاً، فدسّته له، فأثّر فيه، واستُشهد في شهر صفر سنة تسع وأربعين أو سنة خمسين للهجرة بمدينة جدّه صلى الله عليه و آله، وتولّى الحسين عليه السلام غسله وتجهيزه، ودفنه بالبقيع عند جدّته فاطمة بنت أسد رضوان اللَّه عليها. فعليه السلام يوم ولد ويوم استُشهد ويوم يبعث حيّاً.

ص: 25

قبسة من حياة الإمام الحسين الشهيد عليه السلام

هو الحسين بن عليّ بن أبي طالب بن عبد المطّلب الهاشمي القرشي، السبط الأصغر لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وريحانته من الدنيا، وسيّد شباب أهل الجنّة. امّه فاطمة بنت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله.

كنيته أبو عبد اللَّه، وألقابه كثيرة؛ منها: الرشيد، والطيّب، والوفيّ، والسيّد، والزكيّ، والمبارك، والشهيد.

ولد عليه السلام في المدينة- على مشرّفها أفضل الصلاة والسلام- في الثالث من شعبان المعظّم على المشهور من السنة الرابعة أو الثالثة بعد الهجرة، فأقبل به أبوه أمير المؤمنين عليه السلام إلى جدّه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ليسمّيه، فسمّاه حسيناً، وكان يحبّه حبّاً شديداً.

ص: 26

ولمّا باهل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله نصارى نجران، أخذه وأخاه فباهل بهما، فنزل فيهما قوله تعالى: «تَعالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنا وَأَبْناءَكُمْ» (1) 40. وهو من المطهّرين في قوله تعالى: «إِنَّما يُرِيدُاللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهّرَكُمْ تَطْهِيرًا» (2) 41.

استمدّ العلم والفضل من جدّه المصطفى، وورث الشجاعة من أبيه المرتضى، وغذي الطهارة من امّه فاطمة الزهراء. كان يكرم الضيف، ويَمنح الطالب، ويُنيل الفقير، ويُسعف السائل، ويَكسو العاري، ويُشبع الجائع، ويُعين ذا الحاجة. وكان لا يبتدر أخاه الحسن بكلام، ولا يمشي بين يديه؛ إعظاماً وإجلالًا له.

اضطلع بأعباء الإمامة بعد شهادة أخيه الحسن، فنهض بها، وقاد سفينة الهداية في متلاطمات أمواج الفتن المحيطة بالامّة إلى ساحل النجاة والسعادة.

كان له من الأولاد: علي الأكبر، وعلي زين العابدين- وهو الإمام بعده-، وعلي الأصغر، وجعفر، وعبد اللَّه، وسكينة، وفاطمة.

تكفّل تربية المجتمع الإسلامي على العبودية للَّه، وعلى


1- آل عمران، 61
2- الأحزاب، 33

ص: 27

نفي عبوديّة من سواه، فهذه كلماته تشعّ بالتوحيد، فيقول في دعائه يوم عرفة وفي تلك البقعة المباركة- وهو دعاء طويل ذو مضامين سامية-: «

إلهي ... كَيفَ يُستَدَلُّ عَلَيكَ بِما هُو في وُجودِهِ مُفتَقِرٌ إلَيكَ! أيَكونُ لِغَيرِكَ مِنَ الظُّهورِ ما لَيسَ لَكَ حَتّى يَكونَ هُوَ المُظهِرُ لَكَ؟! مَتى غِبتَ حَتّى تَحتاجَ إلى دَليلٍ يَدُلُّ عَلَيكَ! ومَتى بَعُدتَ حَتّى تَكونَ الآثارُ هِيَ الّتي تُوصِلُ إلَيكَ! عَمِيَت عَينٌ لا تَراكَ (لا تَزالُ) عَلَيها رَقيباً، وخَسِرَت صَفقَةُ عَبدٍ لَم تَجعَل لَهُ مِن حُبِّكَ نَصيباً

...» (1) 42.

ومما روي عنه في قصار الحكم قوله:

لَولا ثَلاثَةٌ ما وَضَعَ ابنُ آدَمَ رأسَهُ لِشَي ءٍ: الفَقرُ، وَالمَرَضُ، والمَوتُ» (2) 43

. وروي عن أنَس أنّه قال: «كُنتُ عِندَ الحُسينِ عليه السلام، فَدَخَلَت عَلَيهِ جارِيَةٌ بِيَدِها طاقةُ رَيحانٍ، فحَيَّتهُ بِها، فقالَ لَها: أنتِ حُرَّةٌ لِوَجهِ اللَّهِ تَعالى. فَقُلتُ: تُحَيِّيكَ بِطاقَةِ رَيحانٍ لا خَطَرَ لها فَتُعتِقُها؟! فَقالَ: كَذا أدَّبَنَا اللَّهُ تَعالى، قالَ: «وَ إِذا حُيّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها» (3) 44، فكانَ أحسَنَ مِنها عِتقُها» (4) 45.


1- إقبال الأعمال، ص 349
2- نزهة الناظر وتنبيه الخاطر، ص 80، ح 4
3- النساء، 86
4- نزهة الناظر وتنبيه الخاطر، ص 83 ح 8

ص: 28

ولمّا تسنّم يزيد بن معاوية منصب الخلافة ونقض معاهدة الصلح التي أمضاها أبوه مع الحسن عليه السلام، أتمّ الحجّة على الامّة بأن وعظهم وحذّرهم غِبّ العاقبة، فلم يتّعظوا، فأصبح الحقّ طريداً، وصار الباطل حبيباً، فرأى أنّ شجرة الدين لا يرويها إلّاعبيط الدم، فقدّم نفسه الزكيّة فداء للشريعة المحمّديّة، ونادى: «

إن كانَ دينُ مُحَمَّدٍ لَم يَستَقِم إلّا بِقَتلي فَيا سُيوفُ خُذيني» (1) 46

، فضحّى بالغالي والنفيس، وقدّم أعزّة أهله وولده وخيرة أصحابه وشيعته قرابين للَّه تعالى في أرض كرب وبلاء؛ من أجل رفع راية الحقّ في سماء المجد، فصار رمزاً للتضحية، ومناراً للتحرّر من قيود الظلم والجور، ومشعلًا للهداية على مرّ العصور. وقد توازر عليه من جيش الضلال آلاف مؤلّفة، خدعتهم دنيا غرور، وهم يعلمون أنّه سبط الرسول، وأنّ له حقّ مودّة القربى من الرسول الذي جعل مودّة قرباه أجر تبليغ رسالته «قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» (2) 47.


1- اعيان الشيعه ج 1 ص 581
2- الشورى، 23

ص: 29

لكنّهم بئس ما جازوا نبيّهم، وقد قال تعالى: «هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ» (1) 48، فقتلوا ريحانة نبيّهم أبشع قتلة، وذبحوه عطشاناً إلى جنب الفرات، وسبوا نساءه وأطفاله، في العاشر من شهر محرّم الحرام من سنة 61 ه فسقى بدمائه الزاكية شجرة الرسالة، وأحيا دين جدّه صلى الله عليه و آله، وأبان صراط الحقّ بعد اندراس أعلامه، وافول آثاره. ولا زالت دماؤه صرخة في وجوه الظالمين. فما نشاهده اليوم في أرجاء البلاد الإسلامية من القيام ضدّ الطغاة والثورة ضدّ مظاهر الظلم إنّما هو قبسة من ثورة الحسين عليه السلام، وشعاع من نور نهضته ضدّ طاغوت زمانه يزيد بن معاوية، وصار اسم الحسين عليه السلام شعاراً وشرفاً للأحرار. فالسلام عليه يوم ولد، ويوم استُشهد، ويوم يبعث حيّاً.


1- الرحمن، 60

ص: 30

قبسة من حياة الإمام زين العابدين عليه السلام

هو عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب الهاشمي القرشي.

كنيته أبو محمّد، وله ألقاب كثيرة منها: زين العابدين، وزين الصالحين، ووصيّ الوصيّين، ومنار القانتين، والخاشع، والمتهجّد، والزاهد، والعابد، والعدل، والبكّاء، والسجّاد، وذو الثفنات.

ولد عليه السلام في مدينة جدّه الرسول في منتصف جمادى الاولى، وقيل في شعبان سنة ثمان وثلاثين من الهجرة، وقيل سنة ست وثلاثين، قبل شهادة جدّه أمير المؤمنين عليه السلام.

امّه سلامة بنت يزدجرد آخر ملوك الفرس، ويقال اسمها شاه زنان ويقال شهربانو.

ص: 31

له عليه السلام خمسة عشر ولداً، أكبرهم محمد الباقر عليه السلام، وهو الوصيّ بعده.

كان صلوات اللَّه عليه مظهراً تامّاً للخصال الحميدة والأخلاق السامية؛ فمن ذلك ما روي عنه أنّه دعا مملوكه مرّتين فلم يُجِبه، فلمّا أجابه في الثالثة قال له: أما سمعتَ صوتي؟! قال: بلى. قال: فما لك لم تُجِبني؟ قال: أمنتُك.

قال: الحمد للَّه الذي جعل مملوكي يأمنني.

كان وقوراً، إذا مشى كأنّ على رأسه الطير، لا يسبق يمينه شماله.

عاش عليه السلام فترة شديدة صعبة، وعاصر أحداثاً قاسية مرّة، بدأت بشهادة جدّه أمير المؤمنين عليه السلام، ثمّ عمّه الحسن عليه السلام، وأخيراً شاهد ما جرى على أبيه الحسين عليه السلام والصفوة من عترته وأصحابه من الفجائع في كربلاء.

بدأت فترة إمامته في خضمّ تلك الأحداث المفجعة والأيّام العصيبة، فقاد سفينة الهداية باسلوب جديد ينسجم مع المحاصرة التي كان يعيشها من قبل السلطة الحاكمة آنذاك، بحيث يمكنه علاج أنواع الأمراض التي ابتليت بها الامّة، وبثّ العلوم والمعارف، وكلّ ما يكون سبباً للهداية والنجاة من الفتن، وذلك بتذليل النفوس والقلوب للَّه

ص: 32

سبحانه بالدعاء والمناجاة، فله من الأدعية ألواناً، ومن المناجاة أصنافاً تنسجم مع الحالات النفسيّة المختلفة لأفراد الامّة، مع الأخذ بنظر الاعتبار الأوقات المختلفة طولًا وقصراً، فله دعوات ومناجات معروفة كثيرة شائعة ذائعة بين المؤمنين، جُمع بعضها في كتاب اسمه «الصحيفة السجّاديّة».

كان كثير العبادة والتهجّد حتّى عرف بزين العابدين، فكان يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة، كما كان يكثر السجود ويطيله، فروي أنّه ما ذكر نعمة للَّه عليه السلام أنعمها عليه إلّا سجد، ولا قرأ آية من كتاب اللَّه عليه السلام فيها سجود إلّا سجد، ولا دفع اللَّه عليه السلام عنه سوءاً يخشاه أو كيد كائدٍ إلّا سجد، ولا فرغ من صلاة مفروضة إلّاسجد، ولا وُفّق لإصلاح بين اثنين إلا سجد.

وكان أثر السجود في جميع مواضع سجوده، فلذلك سمّي السجّاد، كما كان في مواضع سجوده آثار ناتئة تشبه ثفنات البعير فكان يقطعها في السنة مرّتين، فسمي ذا الثفنات.

كان إذا حضر الصلاة اقشعرّ جلده، واصفرّلونه، و ارتعد كالسعفة، وكان يقوم في صلاته قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل. وسئلت مولاة له بعد موته أن تصفه فقالت: «ما

ص: 33

أتيتُه بطعام نهاراً قطّ، ولا فرشتُ له فراشاً بليل قطّ».

كما كان كثير الدعاء، وله أدعية كثيرة، فمن دعائه عند المرض قوله: «

اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى ما لَمْ أَزَلْ أَتَصَرَّفُ فِيهِ مِنْ سَلامَةِ بَدَنِي، وَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى ما أَحْدَثْتَ بِي مِنْ عِلَّةٍ فِي جَسَدِي، فَما أَدْرِي يا إِلهِي أَيُّ الحالَيْنِ أَحَقُّ بِالشُّكرِ لَكَ، وَأَيُّ الوَقْتَيْنِ أَوْلى بِالحَمْدِ لَكَ؛ أَوَقتُ الصِّحَّةِ الَّتِي هَنَّأْتَنِي فِيها طَيِّبَاتِ رِزْقِكَ، وَنَشَّطْتَنِي بِها لابتِغاءِ مَرْضَاتِكَ وَفَضْلِكَ، وَقَوَّيْتَنِي مَعَها عَلى ما وَفَّقْتَني لَهُ مِنْ طاعَتِكَ، أَمْ وَقْتُ الْعِلَّةِ الَّتي مَحَّصْتَني بِها، وَالنِّعَمِ الَّتِي أَتْحَفْتَنِي بِها؛ تَخْفِيفاً لِما ثَقُلَ بِهِ عَلَيَّ ظَهْري مِنَ الْخَطِيئَاتِ، وَتَطْهيراً لِمَا انْغَمَسْتُ فيهِ مِنَ السَّيِّئاتِ، وَتَنْبِيهاً لِتَنَاوُلِ التَّوْبَةِ، وَتَذْكيراً لِمَحْوِ الْحَوْبَةِ بِقَدِيمِ النِّعْمَةِ، وَفي خِلالِ ذلِكَ ما كَتَبَ لِيَ الْكَاتِبانِ مِنْ زَكِيِّ الأَعْمالِ ما لا قَلْبٌ فَكَّرَ فِيهِ، وَلا لِسانٌ نَطَقَ بِهِ، وَ لا جارِحَةٌ تَكَلَّفَتْهُ، بَلْ إِفْضالًا مِنْكَ عَلَيَّ، وَإِحْساناً مِنْ صَنِيعِكَ إِلَيَّ ...» (1) 49

إلى آخر دعائه الشريف.

استشهد عليه السلام في الخامس والعشرين (2) 50 من شهر محرّم الحرام سنة 94، وقيل سنة 95 من الهجرة، فعليه السلام يوم ولد ويوم استُشهد ويوم يبعث حيّاً.


1- الصحيفة السجّادية، الدعاء 15
2- وقيل في الثاني عشر

ص: 34

قبسة من حياة الإمام محمّد الباقر عليه السلام

هو محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب الهاشمي القرشي.

ولد عليه السلام قبل مضيّ جدّه الحسين بثلاث سنين، أي سنة ثمان وخمسين من الهجرة. أبوه سيّد الساجدين وزين العابدين عليّ بن الحسين عليهما السلام، وامّه فاطمة بنت الحسن بن علي بن أبي طالب صلوات اللَّه عليهم.

كنيته أبو جعفر، وألقابه: باقر العلم، والشاكر للَّه، والهادي، والأمين.

اشتُهر بباقر العلم لأنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله سمّاه بذلك؛ فروي أنّه صلى الله عليه و آله أمر جابر بن عبد اللَّه الأنصاري أن يُبلّغه السلام، وقال له: «إنّك لن تموت حتّى تلقى سيّد العابدين عليّ بن

ص: 35

الحسين، وابني منه محمّد بن عليّ، فإذا ولد محمّد بن عليّ بن الحسين فصر إليه عند أوان ترعرعه، تُقرئ أباه السلام، وتقول له إنّي أمرتُك أن تلحق إبنه محمّد في بيت وتُقرئه منّي السلام، وتُقبّل بين عينيه، وتقول له: جدّك رسول اللَّه يقول لك: يا باقر علم الأوّلين والآخرين من النبيّين والمرسلين بوركت كثيراً حيّاً وميّتاً».

أقام مع أبيه علي بن الحسين عليهما السلام خمسة وثلاثين سنة غير شهرين.

له من الأولاد: جعفر- وهو الإمام بعده- وعلي، وعبد اللَّه، وإبراهيم. ومن البنات امّ سلمة.

له كرامات كثيرة، منها ما روي عن أبي بصير قال:

كنت اقرئ امرأة القرآن بالكوفة، فمازحتُها بشي ء، فلمّا دخلتُ على أبي جعفر عليه السلام عاتَبني وقال: من ارتكب الذنب في الخلاء لم يعبأ اللَّه به، أي شي ء قلتَ للمرأة؟ فغطّيت وجهي حياء وتبتُ، فقال أبو جعفر عليه السلام: لا تعُد.

عاصر جملة من الخلفاء منهم: الوليد بن عبد الملك، وسليمان بن عبد الملك، وعمر بن عبد العزيز، ويزيد بن عبدالملك، وهشام بن عبد الملك، وكان شديد العداوة والعناد له عليه السلام ولأهل بيته، حتّى أنّه أحضره ليوقع به، فلمّا

ص: 36

دخل عليه حرّك شفتيه بدعاء لم يُسمع، فأجلسه معه على سريره، ثمّ قال له: تعرض عليّ حوائجك. فقال له: تردّني إلى بلدي. فقال له: ارجع. وكتب إلى عامله يمنعه الميرة في طريقه، فمنعه، فصعد الجبل، وقرأ بأعلى صوته: «وَ إِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْبًا قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُم مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَ لا تَنقُصُوا الْمِكْيالَ وَ الْمِيزانَ إِنّي أَراكُم بِخَيْرٍ وَ إِنّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ* وَ ياقَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ* بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُم مُؤْمِنِينَ وَ ما أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ» (1) 51. وكان في المدينة شيخ من بقايا العلماء، فخرج إلى أهل المدينة يناديهم بأعلى صوته: هذا واللَّه شعيب يناديكم! فقالوا له: ليس هذا شعيب، هذا محمّد بن عليّ بن الحسين، له أمر، فقال لهم: افتحوا الباب وإلّا فتقعوا في العذاب، فأطاعوه، وفتحوا الباب، وأمرهم بحمل الميرة إليه ففعلوا.

ومما اثر عنه من قصار الحكم قوله: «

إن استَطَعتَ أن لا تُعامِلَ أحَداً إلّاولَكَ الفَضلُ عَليهِ فَافعَل» (2) 52

، وقال: «

ثَلاثَةٌ مِن


1- هود، 84- 86
2- تحف العقول، ص 293

ص: 37

مَكارِمِ الدُّنيا وَالآخِرَةِ: أن تَعفوَ عَمَّن ظَلَمَكَ، وتَصِلَ مَن قَطَعَكَ، وتَحلُمَ إذا جُهِلَ عَلَيكَ» (1) 53

، وقال: «

أربَعٌ مِن كُنوزِ

البِرِّ: كِتمانُ الحاجَةِ، وكِتمانُ الصَّدَقَةِ، وكِتمانُ الوَجَعِ، وكِتمانُ المُصيبَةِ» (2) 54.

ولمّا دنت وفاته عليه السلام استدعى ولده جعفراً وقال له: إنّ هذه الليلة التي وعدت فيها، وسلّم إليه ودائع الإمامة والسلاح. وتوفي بالمدينة في سنة 114 ه، فحلّت على المؤمنين أعظم رزيّة، ودفن ببقيع الغرقد عند مضجع أبيه زين العابدين وعمّه الحسن المجتبى. فعليه السلام غدوّاً ورواحاً أبداً دائماً سرمداً.


1- تحف العقول، ص 293
2- المصدر السابق، ص 295

ص: 38

قبسة من حياة الإمام الصادق عليه السلام

هو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام الهاشمي القرشيّ.

كنيتُه أبو عبد اللَّه، وأبو إسماعيل، وأبو موسى. وله ألقاب عديدة منها: الصادق- وهو أشهرها- والفاضل والطاهر.

ولد في المدينة المنوّرة في السابع عشر من شهر ربيع الأوّل من سنة ثلاث وثمانين، في بيت يعلوه الفضل، ويفوح منه العلم؛ فأبوه باقر العلم محمد بن علي عليهما السلام، وأجداده الأئمّة المعصومون من ذريّة خير النبيّين صلوات اللَّه عليهم أجمعين.

امّه ام فروة بنت القاسم، وقيل اسمها فاطمة

ص: 39

وكنيتها ام فروة.

عاش عليه السلام في أواخر حكومة بني اميّة وأوائل حكومة بني العبّاس، وهي فترة صراعات سياسية بين العباسيين والامويين، حتى انتهى الأمر بالإطاحة بحكومة بني اميّة وسيطرة بني العباس، وهذا ما فسح المجال للإمام لاستغلال هذه الفترة بتبليغ الدين الإسلامي الحنيف، ونشر شريعة جدّه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وبيان المفاهيم الإسلاميّة في شتّى المجالات؛ من العقائد، والأحكام الشرعية، وتفسير كتاب اللَّه تعالى، والأخلاق الفردية والاجتماعية، وغير ذلك.

فنشأ على يديه الكثير من المحدّثين والعلماء في مختلف العلوم والفنون، حتّى كان يحضر مجلسه أكثر من أربعة آلاف، من مختلف المذاهب والمشارب، فمن تلاميذه في العلوم النقلية والعقليّة: زرارة بن أعين، وهشام بن الحكم، وهشام بن سالم، ومحمّد بن مسلم الطائي، وأضرابهم. كما تتلمذ على يديه عدد من علماء العامّة كأبي حنيفة (رئيس المذهب الحنفي)، وسفيان الثوري وأشباههما، وتعلّم منه أمثال النسّابة هشام الكلبي، والكيميائي الشهير جابر بن حيان، ونظائرهما.

ولكثرة ما حدّث به هو وأبوه عليهما السلام في العلوم والمجالات

ص: 40

المختلفة خصوصاً في مجالي الفقه والكلام- فقد بلغت الأحاديث المأثورة عنه وعن أبيه الباقر عليهما السلام ما يفوق الأحاديث المأثورة عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وجميع الأئّمة عليهم السلام، وهذا ما يكشف عن شدّة معاناة آبائه من التضييق والخناق في تبليغ الشريعة، واغتنامه الكامل للفرصة المتاحة له من أجل نشر المعارف الحقّة وصيانة دين جدّه صلى الله عليه و آله- نسب إليه مذهب أهل البيت، فسمّي بالمذهب الجعفري، فهو ناشر هذا المذهب ومشيّد أركانه.

وممّا روي عنه من الحكم قوله: «

مَن أنصَفَ الناسَ مِن نَفسِهِ رُضِيَ بِهِ حَكَماً لِغَيرِهِ» (1) 55

، وقوله: «

الدَّينُ غَمٌّ بِالليلِ، وذُلٌ

بِالنَّهارِ» (2) 56

، وقوله: «

ما أقبَحَ الانتِقامِ بِأهلِ الأقدارِ» (3) 57

، وقيلَ لَهُ: مَا المُرُوَّةُ؟ فقالَ: «

لا يَراكَ اللَّهُ حَيثُ نَهاكَ، ولا يَفقِدكَ مِن حَيثُ أمَرَكَ» (4) 58

. عاش عليه السلام في فترة ترعرعت فيها الفرق والمذاهب المختلفة، فأخذ كلّ مذهب منها يذبّ عن نفسه، فبدت


1- الكافي، ج 2، ص 146، ح 12
2- تحف العقول، ص 359
3- المصدر السابق
4- المصدر السابق

ص: 41

الحاجة لبيان اسس الحوار، فأسّس الإمام عليه السلام علم الكلام، وبنى اصوله، وبيّن شرائطه وآدابه، وقد جرت بينه وبين بعض الزنادقة وبعض أصحاب الفرق والمذاهب الاخرى مناظرات كثيرة.

ومن طريف ذلك ما جرى بينه وبين أبي حنيفة، فروى الكراجكي في كنز الفوائد عن أبي عبد اللَّهِ عليه السلام: أَنَّ أَبا حَنيفةَ أكلَ مَعَهُ فَلَمَّا رَفَعَ الصَّادِقُ عليه السلام يَدَهُ مِنْ أَكْلِهِ قَالَ:

«الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ هذا مِنكَ ومِن رَسولِكَ صلى الله عليه و آله

» فَقالَ أبو حَنيفةَ يا أبا عَبد اللَّهِ، أَجَعَلتَ معَ اللَّهِ شَريكاً؟! فَقَالَ لَهُ:

وَيلَكَ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ:

«وَما نَقَمُوا إِلّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ» (1) 59، ويَقولُ في مَوضِعٍ آخَر: «وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ» (2) 60. فَقَالَ أبو حَنيفةَ: وَاللَّهِ لَكَأَنِّي مَا قَرَأْتُهُما قَطُّ مِن كِتابِ اللَّهِ، ولا سَمعتُهما إلّافي هذا الوَقتِ» (3) 61.

ولما استتبّ الأمر للعباسيين واستقرّ الحكم لهم أخذوا


1- التوبة، 74
2- المصدر السابق، 59
3- كنز الفوائد، ص 196

ص: 42

بالتضييق على العلويين، وخصوصاً على الإمام الصادق عليه السلام حيث جعله المنصور الدوانيقي تحت مراقبة شديدة، كما شدّد على أتباعه وأشياعه فأخذ بقتلهم والتنكيل بهم أشدّ التنكيل، وصار يزجّهم في الزنزانات المظلمة، ويصبّ عليهم أنواع العذاب، وقتل الكثير منهم بأبشع أنواع القتل، بل دفن بعضهم أحياء.

وبالتالي فقد نالت يده الغادرة الإمامَ الصادق عليه السلام حيث سقاه السمّ، فاستشهد عليه السلام في الخامس والعشرين من شوال سنة 148 ه، فعليه السلام يوم ولد، ويوم استشهد، ويوم يبعث حيّاً.

ص: 43

قبسة من حياة الإمام الكاظم عليه السلام

هو أبو إبراهيم موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام الهاشميّ القرشيّ.

له العديد من الكنى والألقاب منها: أبو إبراهيم، وأبوالحسن، وأبو عليّ، ويعرف بالعبد الصالح، والنفس الزكية، والوفي، والصابر، والأمين. وسمي الكاظم لكظمه الغيظ وغضّ بصره عما فعله به الظالمون، حتى مضى قتيلًا في حبسهم.

ولد في الأبواء- وهي منزل بين مكّة والمدينة المنوّرة- في السابع من شهر صفر سنة مئة وثمان وعشرين، في بيت من بيوت الفضل والشرف، وفي معدن من معادن العلم؛ فهو أحد أغصان شجرة الوحي والرسالة، ومن ذرّية خير

ص: 44

الأولين والآخرين وسيد الأنبياء والمرسلين، ومن سلالة سيّد الوصيين وأمير المؤمنين الذي كان يقول على المنبر:

«سلوني قبل أن تفقدوني فإنّ بين الجوانح منّي علماً جمّاً» (1) 62

، فهو أحد أغصان هذه الشجرة الميمونة، وكفى به شرفاً وفخراً.

أبوه جعفر بن محمّد الصادق عليهما السلام، وامّه حميدة البربرية، ويقال لها أيضاً: حميدة المصفّاة.

له من الأولاد سبعة وثلاثون بين ذكر وانثى، هم:

علي بن موسى الرضا، وإبراهيم، والعباس، والقاسم، وإسماعيل، وجعفر، وهارون، والحسن، وأحمد، ومحمد، وحمزة، وعبد اللَّه، وإسحاق، وعبيد اللَّه، وزيد، والحسين، والفضل، وسليمان. وفاطمة الكبرى، وفاطمة الصغرى، ورقيّة، وحكيمة، وامّ أبيها، ورقيّة الصغرى، وكلثم، وامّ جعفر، ولبابة، وزينب، وخديجة، وعلية، وآمنة، وحسنة، وبريهة، وعائشة، وامّ سلمة، وميمونة، وامّ كلثوم.

وكان أفضلهم وأنبههم وأعظمهم قدراً وأجمعهم فضلًا أبو الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام.

عاش الإمام فترة عصيبة، وظروفاً قاسية، وتحت


1- التوحيد، ص 92، ح 6

ص: 45

محاصرة شديدة من قبل الدولة العباسية، فكانت مدّة إمامته خمساً وثلاثين سنة، عاصر فيها بقيّة ملك المنصور الدوانيقي، ثمّ ابنه المهدي، ثم ابنه موسى الهادي، ثم هارون الملقّب بالرشيد.

له من المناقب والمآثر ما لا يحصى، فمن ذلك ما روي عنه صلوات اللَّه عليه قال: «دخلت ذات يوم من المكتب ومعي لوحي، فأجلَسني أبي بين يديه وقال: يا بني اكتب:

تَنحَّ عن القبيح ولا تَرِدهُ

ثم قال: أجِزهُ، فقلتُ:

ومن أوليتَهُ حُسناً فَزِدهُ

ثمّ قال:

ستَلقى مِن عدوّكَ كلّ كيدٍ

فقلت:

إذا كاد العدوُّ فلا تَكِدهُ

قال فقال: «ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ» (1) 63.

ومما روي في سيرته عليه السلام أنّه رئي يعمل في أرض له وقد استنقعت قدماه في العرق، فقيل له: أين الرجال؟


1- آل عمران، 34؛ مناقب آل أبي طالب، ج 3، ص 434

ص: 46

فقال: قد عمل باليد من هو خير منّي في أرضه ومن أبي.

فقيل: ومن هو؟ فقال: رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وأمير المؤمنين عليه السلام وآبائي كلّهم كانوا قد عملوا بأيديهم، وهو من عمل النبيين والمرسلين والأوصياء والصالحين.

ومن قصار ما روي عنه عليه السلام قوله: «

لَيسَ حُسنُ الجِوارِ كَفُّ الأذى، ولكِنَّ حُسنَ الجِوارِ صَبرُكَ عَلَى الأذى» (1) 64

، وقال عليه السلام: «

المُصيبَةُ لِلصابِرِ واحِدَةٌ، ولِلجازِعِ اثنَتانِ» (2) 65

، وقال أيضاً عند قبرٍ حضره: «

إنَّ شَيئاً هذا آخِرُهُ لَحَقيقٌ أن يُزهَدَ في أوَّلِهِ، وإنَّ شَيئاً هذا أوَّلُهُ لَحَقيقٌ أن يُخافَ آخِرَهُ» (3) 66

. استشهد عليه السلام مسموماً بعد أن قضى مدّة من عمره الميمون في سجون هارون الرشيد المتعدّدة، فحين أقبل هارون الرشيد للحجّ وقصد المدينة المنوّرة أمر بالقبض على الإمام وإيداعه السجن، فقُبض عليه في مسجد جدّه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وفي أثناء الصلاة، واودع السجن، ثمّ نُقل إلى سجن البصرة، ومنه إلى سجن بغداد، وكان من أشدّ السجون عليه، فسُقي السمّ، فاستشهد في الخامس


1- الكافي، ج 2، ص 667 ح 9
2- تحف العقول، ص 414
3- المصدر السابق، ص 408

ص: 47

والعشرين من رجب سنة مئة وثلاث وثمانين، ودفن في المقبرة المعروفة بمقابر قريش، الكائنة في مدينة الكاظمية من بغداد، حيث هو مشهده اليوم. فعليه السلام يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً.

ص: 48

قبسة من حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام

هو أبو الحسن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام الهاشمي القرشي.

ولد عليه السلام في المدينة المنوّرة- على ساكنها أفضل التحيّة والسلام- في الحادي عشر من شهر ذي القعدة سنة 148، وقيل سنة 153، وقُبض في شهر صفر من سنة 203.

أبوه أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام، وامّه نجمة، وقيل: تكتم، وكانت من أفضل النساء في عقلها ودينها وإعظامها لمولاتها حُميدة المصفّاة (والدة الإمام الكاظم)، حتّى إنّها ما جلست بين يديها منذ ملكتها؛ إجلالًا لها.

كنيته أبو الحسن، وألقابه الرضا، والصابر، والرضي، والوفي. وأشهرها الرضا.

ص: 49

كانت مدّة إمامته عشرين سنة، وعاصر فيها بقيّة ملك الرشيد، ثمّ محمد الأمين، ثم المأمون، واستشهد عليه السلام في أيّام المأمون.

لم يكن له من الأولاد غير أبي جعفر محمّد بن عليّ الجواد عليه السلام، وهو حجّة اللَّه والإمام بعده.

سجّل الرواة عنه الكثير من الكلمات النورانية التي تفوّه بها في مختلف المجالات، فمن ذلك قوله: «

لا يَكونُ المُؤمِنُ مُؤمناً حَتّى تَكونَ فيه ثَلاثُ خِصالٍ: سُنَّةٌ مِن رَبِّهِ، وسُنَّةٌ مِن نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله، وسُنَّةٌ مِن وَلِيِّهِ عليه السلام؛ فَأمّا السُّنَّةُ مِن رَبِّهِ فَكِتمانُ السِّرِّ، وأمَّا السُّنَّةُ مِن نَبِيِّه صلى الله عليه و آله فَمُداراةُ الناسِ، وأمَّا السُّنَّةُ مِن وَلِيِّهِ عليه السلام فَالصَّبرُ فِي البَأساءِ والضَّرَّاءِ» (1) 67

، وقال عليه السلام: «

مِن علاماتِ الفِقهِ الحِلمُ والعِلْمُ والصَّمتُ، إنَّ الصَّمتَ بابٌ مِن أبوابِ الحِكمَةِ، إنَّ الصَّمتَ يُكسِبُ المَحَبَّةَ، إنَّهُ دَليلٌ على كُلِّ خَيرٍ» (2) 68

، وقال: «ا

لتَّوَدُّدُ إلَى الناسِ نِصفُ العَقلِ» (3) 69

. تبلورت سياسة بني العبّاس على محاربة العلويين والتشديد عليهم، والتنكيل بهم، وقتلهم، فنشأت جرّاء


1- تحف العقول، ص 443
2- الكافي، ج 2، ص 113 ح 1
3- تحف العقول، ص 443

ص: 50

ذلك المشاكل الكثيرة من قيام بعض العلويين بين الآونة والأُخرى ضدّ النظام الحاكم، فحاول المأمون تغيير هذه السياسة البالية التي دامت عدّة عقود، وتنفيذ سياسة جديدة يستطيع من خلالها إخماد نار غضب الشيعة وأتباع أهل البيت، وتهدئة الأوضاع في البلاد الإسلاميّة، وذلك من خلال معاملتهم باللين، وإظهار محبّتهم.

من جانب آخر فإنّ عقيدة الشيعة في الأئمة من أولاد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله هو أنّهم خلفاؤه الشرعيون، وأنّ طاعتهم مفروضة، فاستغلّ المأمون هذا الجانب، ورشّح الإمام الرضا لولاية العهد ليطلي حكومته صبغةً شرعيّةً في نظرهم، ممّا يحول دون قيامهم ضدّه، ولهذا فإنّ المأمون فرض على الإمام الرضا عليه السلام السفر من مسقط رأسه وموطن آبائه المدينة المنوّرة إلى مركز الحكومة في خراسان، فسافر الإمام على كُرهٍ منه، فلمّا وصل إليها ابتدره المأمون بعرض الخلافة أولًا، ثمّ ولاية العهد ثانياً، فاعتذر الإمام عن قبول شي ء منهما، ففرض عليه قبول ولاية العهد، فوافق عليها ضمن شروط معيّنة، منها أن لا يتدخّل في امور الحكومة ونصب الولاة والعمّال وعزلهم، وذلك في سنة مئتين، وبهذا أبطل الإمام مكر المأمون في هذه الخطّة الخبيثة.

ص: 51

وبعد مضي فترة قصيرة تفاقمت محبّة الإمام الرضا عليه السلام في قلوب الناس بمختلف طبقاتهم وتعدد مذاهبهم، فلم تنحصر محبّته في قلوب الشيعة وأتباع أهل البيت عليهم السلام، بل أخذت تسري إلى البلاط الحاكم والمقرّبين منهم، فتعلّقت قلوبهم بالإمام عليه السلام؛ لما شاهدوه من حسن سيرته، وسموّ أخلاقه، وما ظهر لهم من كراماته، فشعر المأمون بالخطر، فبدأ بالبحث عن طريق للنجاة مما وقع فيه، فلم يجد حيلة للحفاظ على ملكه إلّابالقضاء على الإمام عليه السلام، فسقاه السمّ الذعاف، فاستشهد في شهر صفر سنة 203، ودفن في طوس وفي مدينة مشهد المقدسة. فعليه السلام يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً.

ص: 52

قبسة من حياة الإمام محمد بن علي الجواد عليه السلام

هو أبو جعفر محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام الهاشمي القرشي.

كنيته أبو جعفر، ولقبه الزكي، والمرتضى، والتقي، والقانع، والرضي، والمختار، والمتوكّل، والجواد.

أولاده: أبو الحسن علي بن محمّد الهادي، وهو الإمام بعده، وموسى، وخديجة، وحكيمة، وامّ كلثوم.

ولد عليه السلام في المدينة المنوّرة- على مشرّفها السلام- في شهر رمضان من سنة 195، في بيت لا يدانيه في العلم والفضل بيت سواه، فهو فرع الرسول صلى الله عليه و آله، وغصن من أغصان عليّ والبتول عليهم السلام، أبوه عليّ بن موسى الرضا، وامّه

ص: 53

سبيكة النوبية، وقيل خيزران، وروي أنّها كانت من أهل بيت مارية امّ إبراهيم ابن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله.

كان الإمام الرضا عليه السلام يُجلّه ويُعظّمه وهو صبيّ؛ فلا يدعوه إلّابكنيته قائلًا: «كتب إليّ أبو جعفر»، و «كنت أكتب إلى أبي جعفر»، وهو صبيّ بالمدينة.

تحمّل أعباء الإمامة بعد شهادة أبيه الرضا عليه السلام سنة 203 وله من العمر ثمان سنوات، وذلك بنصّ آبائه الطاهرين. فقيل للرضا عليه السلام: إن كان كونٌ فإلى مَن؟ قال:

إلى أبي جعفر ابني. ولِصغر سنّه آنذاك استصغره بعض الناس، فقال الرضا عليه السلام: «

إنَّ اللَّهَ سُبحانَهُ بَعَثَ عيسى رَسولًا نَبِيّاً صاحِبَ شَريعَةٍ مُبتداةٍ في أصغَر مِنَ السِّنِّ الَّذي فيه أبو جَعفَرٍ عليه السلام

». وقال الجواد عليه السلام لعليّ بن أسباط: «

يا عَلِيُّ إنَّ اللَّهَ احتَجَّ فِي الإمامَةِ بِمِثلِ مَا احتَجَّ فِي النُّبُوَّةِ؛ قالَ اللَّهُ تَعالى:

«وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا» (1) 70

وقال اللَّه:

«حتّى إذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً» (2) 71

فَقَد يَجوزُ أن يُؤتى الحِكمَةَ وهو صَبِيٌّ،

ويَجوزُ أن يُؤتى وهُوَ ابنُ أربَعينَ سَنَة» (3) 72


1- مريم، 12
2- الأحقاف، 15
3- بصائر الدرجات، ص 238 ح 10

ص: 54

ومن الملفت للنظر أنّ لفظ الصبيّ لم يرِد في القرآن الكريم إلّافي موضعين؛ هما: «يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا» (1) 73، وقوله تعالى عن لسان مريم: «فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا» (2) 74، وكلتاهما في نبيّ، مما يدلّ على أنّ النبوّة والمناصب الإلهية لا تخضع للأعمار، بل هي خاضعة لموازين اخرى لا يعلمها إلّا اللَّه والراسخون في العلم.

ناظَرَ الإمام الجواد عليه السلام أصحاب الفرق فأبطل حججهم أمام الملأ العامّ، وذبّ عن الشريعة الميمونة، ورسّخ قواعدها بأنحاء السبل، وسار على نهج آبائه الطاهرين في بيان أحكام اللَّه سبحانه، وسنن نبيّه الكريم، والمنهج السليم للحياة السعيدة التي يرتضيها ربّ العالمين.

ومما روي عنه: «

تَأخيرُ التَّوبَةِ اغتِرارٌ، وطولُ التَّسويفِ حَيرَةٌ، وَالاعتِلالُ عَلَى اللَّهِ هَلَكَةٌ، وَالإصرارُ عَلَى الذَّنبِ أمنٌ لِمَكرِ اللَّهِ،

«فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ» (3) 75»، (4) 76 وقال


1- مريم 12
2- المصدر السابق 29
3- الاعراف 99
4- تحف العقول، ص 456

ص: 55

«إظهارُ الشَّي ءِ قَبلَ أن يَستَحكِمَ مَفسَدَةٌ لَهُ» (1) 77

، وقال: «

المُؤمِنُ

يَحتاجُ إلى تَوفيقٍ مِن اللَّهِ، وواعِظٍ مِن نَفسِهِ، وقَبولٍ مِمَّن يَنصَحُهُ» (2) 78

. كان كآبائه الطاهرين كريماً جواداً لا يردّ سائلًا، ولا يمنع محتاجاً، فمن ذلك ما روي عن ابن حديد قال: خرجت مع جماعة حجّاجاً، فقُطع علينا الطريقُ، فلمّا دخلت المدينة لقيتُ أبا جعفر عليه السلام في بعض الطريق، فأتيته إلى المنزل فأخبرته بالذي أصابنا، فأمر لي بكسوة، وأعطاني دنانير، وقال: فرّقها على أصحابك على قدر ما ذهب، فقسمتُها بينهم، فإذا هي على قدر ما ذهب منهم لا أقلّ و لا أكثر.

وعن إسماعيل بن عباس الهاشمي، قال: جئت إلى أبي جعفر عليه السلام يوم عيد فشكوت إليه ضيق المعاش، فرفع المصلّى وأخذ من التراب سبيكة من ذهب فأعطانيها، فخرجت بها إلى السوق، فكانت ستّة عشر مثقالًا.

عاش عليه السلام بعد أبيه ثمانية عشر سنة، عاصر فيها


1- تحف العقول، ص 457
2- المصدر السابق

ص: 56

المأمون، ثمّ المعتصم، وأشخصه المعتصم من المدينة إلى العاصمة بغداد؛ ليكون تحت رقابته، وبمرأى جلاوزة النظام، فدخل بغداد أوّل سنة 220، وبقي فيها إلى ذي القعدة حيث دسّت إليه زوجته امّ الفضل بنت المأمون سمّاً، فقضى شهيداً غريباً، ودفن عند قبر جدّه موسى بن جعفر عليهما السلام في مقابر قريش الكائنة في مدينة الكاظمية. فعليه السلام يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيّاً.

ص: 57

قبسة من حياة الإمام عليّ بن محمد الهادي عليه السلام

هو أبو الحسن عليّ بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام الهاشمي القرشيّ.

كنيته أبو الحسن، وألقابه: الهادي، النقي، العالم، الفقيه، الأمين، المؤتمن، الطيّب، ويقال له: أبوالحسن الثالث، والفقيه العسكري.

أبوه أبوجعفرمحمّد بن عليّ الجواد عليه السلام، وامه سمانة المغربية.

أقام مع أبيه ستّ سنين وخمسة أشهر، وبعده مدّة إمامته ثلاثاً وثلاثين سنة، وكان أطيب الناس مهجة، وأصدقهم لهجة، وأملحهم من قريب، وأكملهم من بعيد، إذا صمتَ عَلَتهُ هيبةُ الوقار، وإذا تكلّم جلاه سيماءُ البَهاء، وهو

ص: 58

شعبة من دَوحة النبوّة، وثمرة من شجرة الرسالة، وغصن من أغصان الإمامة. ولد في المدينة المنوّرة في رجب سنة 214، وقيل في ذي الحجة سنة 212.

كان يؤدّب أصحابه على الجود والكرم، وفي الوقت ذاته يربّيهم على الصبر والرضا بقضاء اللَّه، فمن سيرته في ذلك أنّ أبا هاشم الجعفري أصابته ضيقة شديدة، فصار إلى أبي الحسن عليّ بن محمَّد عليه السلام، فلمّا جلس قال له:

يا أبا هاشم، أيّ نِعمِ اللَّه عليك تُريد أن تؤدِّي شُكرَها؟ قال أبو هاشم: فوَجمتُ فلم أدرِ ما أقول له، فابتدأني فقال: إنَّ اللَّهَ عزّوجلّ رَزَقَكَ الإيمانَ فَحَرَّمَ بِهِ بَدَنَكَ عَلَى النارِ، ورَزَقَكَ العافِيَةَ فَأعانَكَ عَلَى الطاعَةِ، ورَزَقَكَ القُنوعَ فَصانَكَ عَنِ التَّبَذُّلِ.

يا أبا هاشِم، إنَّمَا ابتَدَأتُكَ بِهذا لأنِّي ظَنَنتُ أنَّكَ تُريدُ أن تَشكوَ لي مَن فَعَلَ بِكَ هذا، قَد أمَرتُ لَكَ بِمِئَةِ دينارٍ، فَخُذها (1) 79.

ومن قصار كلماته المروية عنه قوله عليه السلام: «

مَن جَمَعَ لَكَ وُدَّهُ ورَأيَهُ فَاجمَع لَهُ طاعَتَكَ» (2) 80

، وقوله: «

مَن هانَت عَلَيهِ نَفسُهُ

فَلا تَأمَن شَرَّهُ» (3) 81

، وقال له رجل: أوصِني، فقال: «

تَوَسَّد


1- من لا يحضره الفقيه، ج 4، ص 401، ح 5863
2- تحف العقول، ص 483
3- المصدر السابق

ص: 59

الصَّبرَ، وَاعتَنِق الفَقرَ، وَارفُض الشَّهَواتِ، وخالِف الهَوى، وَاعلَم أنَّكَ لَن تَخلُوَ مِن عَينِ اللَّهِ فَانظُر كَيفَ تَكونُ» (1) 82

. عاصر عليه السلام من امراء بني العباس: المأمون، والمعتصم، والواثق، والمتوكّل، والمنتصر، والمستعين، والمعتز، والمعتمد.

كان عليه السلام في مدينة جدّه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله حتّى أشخصه المتوكّل إلى عاصمة ملكه سامراء سنة 243، بعد أن كتب إليه كتاباً أظهر فيه التعظيم والتبجيل للإمام، وطلب منه القدوم إلى سامراء.

تحمّل الإمام هذه السنين المريرة من حكومة المتوكّل بفارغ الصبر؛ فهو نسل المصطفى القائل: «

ما اوذِيَ نَبِيٌّ مِثلَ ما اوذيتُ» (2) 83

، ونبعة المرتضى الذي شهد له بالصبر المؤالف والمخالف. وكانت مدّة مقامه في سامراء عشرين سنة.

واستشهد مسموماً في ملك المعتمد، في 3 رجب وقيل 25 جمادى الثاني سنة 254، فدفن في داره في سامراء،


1- تحف العقول، ص 455
2- مناقب آل أبي طالب، ج 3، ص 247

ص: 60

فعليه السلام يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً.

قبسة من حياة الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام

هو أبو محمّد الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام الهاشمي القرشي.

كنيته: أبو محمد،

وألقابه: العسكري، الهادي، الرفيق، الزكي، السراج.

وكان يعرف في زمانه بابن الرضا، كما كان أبوه وجدّه يعرفان بذلك أيضاً.

وسبب تسميته بالعسكري هو أنّ المحلّة التي كان يسكنها هو وأبوه عليهما السلام بسامرّاء كانت تسمى «عسكر»، فلذلك قيل لكل واحد منهما العسكري.

ولد عليه السلام بالمدينة المنوّرة في شهر ربيع الأول سنة 230،

ص: 61

وقيل إنّه ولد بسامرّاء سنة 232.

أبوه أبو الحسن عليّ بن محمّد الهادي عليهم السلام،

وامه حديثة،

وولده الوحيد هو الإمام المهدي عليه السلام.

أقام مع أبيه ثلاث وعشرون سنة، وكانت مدّة إمامته ستّ سنين، عاصر فيها المعتز، ثمّ المهتدي، ثمّ المعتمد.

عاش عليه السلام تحت ظروف قاسية من الرقابة والحصار والأذى من قبل الحكم العبّاسي، فكان لا يلتقي أحداً إلّا الخواص من الشيعة.

جسّد بأخلاقه وسيرته أخلاق جدّه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله الذي نعته اللَّه في كتابه بما لم ينعت به غيره بقوله: «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ» (1) 84، فوسع بأخلاقه التي ورثها من جدّه صلى الله عليه و آله العدوّ والصديق، حتى إنّه حبس عند علي بن أوتامش وكان شديد العداوة لآل محمد عليهم السلام غليظاً على آل أبي طالب، فما أقام عنده إلّايوماً واحداً حتّى تواضع له وأجلّه فصار لا يرفع بصره إليه؛ إجلالًا له وإعظاماً، وصار من أحسن الناس بصيرة، وأحسنهم قولًا فيه.

وقال محمد بن إسماعيل: دخل العباسيون ودخل


1- القلم، 4

ص: 62

صالح بن علي وغيره من المنحرفين عن هذه الناحية على صالح بن وصيف عندما حبس أبو محمد عليه السلام، فقالوا له:

ضيّق عليه ولا توسّع. فقال لهم صالح: ما أصنع به وقد وكّلت به رجلين شرّ من قدرت عليه، فقد صارا من العبادة والصلاة إلى أمر عظيم. ثمّ أمر بإحضار الموكّلين، فقال لهما:

ويحكما ما شأنكما في أمر هذا الرجل؟ فقالا له: ما نقول في رجل يصوم نهاره و يقوم ليله كلّه، لا يتكلّم و لا يتشاغل بغير العبادة، فإذا نظر إلينا ارتعدت فرائصنا وداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا، فلمّا سمع ذلك العباسيون انصرفوا خاسئين.

ولحسن أفعاله وسموّ أخلاقه نطق بفضله وحسن سيرته العدوّ والصديق، فكان أحمد بن عبيد اللَّه بن خاقان شديد النصب لآل البيت فجرى في مجلسه يوماً ذكر العلويَّة ومذاهبهم، فقال: ما رأيت ولا عرفت بسُرَّ من رأى رجلًا من العلويَّة مثل الحسن بن عليِّ في هَديِه وسكونه وعفافه ونُبله وكرمه عند أهل بيته وبني هاشم، وتقديمهم إيَّاه على ذوي السنِّ منهم والخطر، وكذلك القوَّاد والوزراء وعامَّة الناس.

ولما دخل عليه كامل بن إبراهيم المدني نظر إلى ثياب

ص: 63

بيض ناعمة عليه، فقال في نفسه: وليّ اللَّه وحجّته يلبس الناعم من الثياب ويأمرنا نحن بمواساة الإخوان، وينهانا عن لبس مثله! فقال متبسّماً: يا كامل، وحَسَر ذراعيه، فإذا ثوب أسود خشن على جلده، فقال: هذا للَّه، وهذا لكم، فخجِل كامل.

ومما روي عنه من قصار الأقوال والحكم قوله: «

لا تُمارِ فَيَذهَبَ بَهاؤكَ، ولا تُمازِح فَيُجتَرَأ عَلَيكَ» (1) 85

، وقوله: «

مِنَ

التَّواضُعِ السَّلامُ عَلى كُلِّ مَن تَمُرُّ بِهِ، والجُلوسُ دونَ شَرَفِ المَجلِسِ» (2) 86

، وقوله: «

مِنَ الفَواقِرِ التي تَقصِمُ الظَّهرَ جارٌ إن رأى

حَسَنَةً أطفَأها، وإن رَأى سَيِّئَةً أفشاها» (3) 87

، وقوله: «

الغَضَبُ

مِفتاحُ كُلِّ شَرٍّ» (4) 88

. وبعد المعاناة الشديدة التي تحمّلها وبعد مضيّ خمس سنين من ملك المعتمد، استشهد عليه السلام سنة 260، ودفن مع أبيه في بيته بسامراء، وقبرهما فيها اليوم معروف مشهور.

فعليه السلام يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً.


1- تحف العقول، ص 486
2- المصدر السابق، ص 487
3- المصدر السابق، ص 487
4- المصدر السابق، ص 488

ص: 64

قبسة من حياة الإمام المهدي المنتظر عليه السلام

هو الحجّة بن الحسن العسكريّ بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام الهاشمي القرشي.

اسمه اسم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله،

وكنيتُه كنيتَه أبو القاسم، ولقبه الحجّة، والخلف الصالح، وقيل: المنتظر.

ولد بسُرَّ من رأى، في النصف من شعبان سنة خمس وخمسين أو ستّ وخمسين بعد المئتين، في بيت يعلوه الفضل، ويفوح منه العلم؛ فأبوه الحسن بن عليّ العسكري عليهما السلام، وأجداده الأئمّة المعصومون من ذريّة خير النبيّين صلوات اللَّه عليهم أجمعين. امّه نرجس، ويقال:

ص: 65

سوسن، ويقال: مريم بنت زيد العلويّة.

كان سِنُّه عند وفاة أبيه خمس سنين، آتاه اللَّهُ فيه الحِكمةَ وفصلَ الخطاب، وجعلَه كجدّه الجواد آيةً للعالَمين، وآتاه الحِكمةَ كما آتاها يحيى صبيّاً، وجعلَه إماماً كما جعل عيسى بن مريم في المهد نبيّاً.

احتجب عليه السلام عن أعين الظالمين والفاسقين منذ بدء إمامته، وله غَيبتان؛ صُغرى وكبرى، أمّا الصغرى فدامَت حوالي سبعين عاماً، ابتداءً من ثامن ربيع الأوّل سنة 260 ه، وختاماً برَحيل آخر نوّابه أبي الحسن السَّمري رضى الله عنه، فكان له هذه المدّة وكلاء وسُفراء يتوسّطون بينه وبين شيعته، لهدايتهم وإيضاح ما التبس عليهم من مسائل دينهم، وهم:

عثمان بن سعيد العمري رضى الله عنه، وابنه أبو جعفر محمد بن عثمان رضى الله عنه، وأبو القاسم الحسين بن روح النوبختي رضى الله عنه، وأبو الحسن علي بن محمّد السمريّ رضى الله عنه، كلّما مات واحد أوصى إلى تاليه، فلمّا حضرت السمريُّ الوفاةَ سُئل أن يوصي، فقال: للَّه أمرٌ هو بالِغُه، فوقعت الغَيبة التامّة الكبرى، التي لازلنا نعيش فيها، ونُقاسي آلامَها، ونُمتَحن بالفِتن المتتالية باستتار شمس الهداية عنّا.

هذه الغيبة- التي هي بودقة تُصهر فيها معادنُ الناس-

ص: 66

من مصاديق قوله تعالى: «وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَ الصّابِرِينَ» (1) 89، فمن دون فتنة لا يعرف الصابر من غيره، ولا الصادق من الكاذب، قال تعالى: «وَ لَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ لَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ» (2) 90. مع أنّ الغيبة نتيجة أعمال الناس، قال تعالى: «ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلّامٍ لِلْعَبِيدِ» (3) 91، فالباري سبحانه هيّأ للناس أسباب الهداية، وبعث الأنبياء، وجعل من بعدهم الأوصياء؛ ولكنّ الناس تركوا نصرة اولياء اللَّه، فلو أنّ الناس أطاعوا ربّهم في نصرة أوليائه، واجتنبوا طاعة من سواه، فإنّ اللَّه سيظهره؛ ليهديهم ويقشع الظلم عنهم.

وسِترُ الإمام بحجاب الغيبة لا يعني رفع سبب الهداية من الأرض، فإن الإمام بمنزلة الشمس، والغيبة بمنزلة السحاب الذي يسترها، ونور الشمس لا يحجبه السحاب، مهما كان غليظاً، فالإمام عليه السلام في حضوره وغيبته مصباح هداية لمن استنار به، كما أنّ نور الشمس يقشع ظلام الليل


1- محمّد، 31
2- العنكبوت، 3
3- آل عمران، 182، الأنفال، 51

ص: 67

وإن كانت تحت السحاب.

ولابدّ لهذا السحاب أن ينجلي يوماً وإن بعُد، وللشمس أن تشرق آناً وإن قصي، فيظهر الإمام ويقشع ظُلم الجورِ، وينشر العدل في أرجاء المعمورة. وهذا ما تؤمن به جميع الأديان والمذاهب، من المسلمين وغيرهم، وإن اختلفوا في التعبير عنه، فجميع البشرية تنتظر ظهور هذا المصلح العالمي، الذي ينشر العدالة في العالم، فيعيش الناس تحت رايته بسلام وطمأنينة، ويأمن الضعيفُ القويَّ، ولا يبقى فرق بين أسود وأبيض إلّابالتقوى، وهذا ما تتطلّع إليه البشرية في عصرنا الحاضر أكثر من أي عصر سلف، إذ لا حقّ للضعيف في الحياة إلّاضمن مصالح القويّ، فإنّ القوى الاستكبارية من أمريكا وأذنابها تسلّطت على الرقاب، وعاثت وأفسدت في الارض شرّ الفساد.

فإذا ظهر الإمام عليه السلام نشر راية العدل، وأزال آثار الظلم، وأحيا أحكام اللَّه، وسنن النبيّ صلى الله عليه و آله، وأمات البدع المختلفة التي أسّسها الظالمون، فعجّل اللَّه له الفرج، ومَنَّ علينا بالعَيش في دولته الكريمة، ورزقنا الشهادة بين يديه وتحت لوائه، من أجل إعزاز شريعة خاتم النبيّين وخير المرسلين عليه صلوات المصلّين إلى يوم الدين.

ص: 68

وأمّا ما يثيره بعض الجاهلين حول طول عمره، ف «إنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ» (1) 92، كما هو صريح الذكر الحكيم، وعدم رؤيتنا لشخص يعيش هذا العمر لا يعني استحالته أو عدم وقوعه، مع أنّ القرآن يصدع فينا بقوله:

«وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلّا خَمْسِينَ عاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَ هُمْ ظالِمُونَ» (2) 93، فهذا نبيّ اللَّه نوح عليه السلام عاش في قومه يدعوهم إلى اللَّه وإلى التوحيد 950 عاماً، وكان قد عاش قبل البعثة 250 عاماً، وعاش بعد الطوفان 250 عاماً، عمّر فيها البلاد، وأسكنَ فيها وُلده، فمجموع عمره على هذا 1450 سنة، كما في تأريخ دمشق وبعض الروايات، وفي تاريخ الطبري أنّه عاش بعد الطوفان 350 سنة، بل إنّ صريح بعض الروايات أنّه عاش 2300 سنة، وأنّ عمره عند البعثة 850 عاماً، وعاش 950 سنة يدعو قومه، و 500 سنة بعد الطوفان.

فبملاحظة ما ذكره القرآن الكريم في شأن نوح لا يبقى للتشكيك في عمر الإمام- الذي لم يبلغ إلى الآن عمر نوح عليه السلام- مجال، إلّامن كان في قلبه مرض، قال اللَّه


1- البقرة، 20
2- العنكبوت، 14

ص: 69

سبحانه: «وَ لِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَ الْكافِرُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ» (1) 94.

ومسك ختامنا سؤال الباري والابتهال إليه أن يعجّل فرج إمام زماننا، وأن يمنّ علينا بنصره، والعيش الرغيد في دولته، والشهادة بين يديه وتحت رايته، إنّه قريب مجيب.

______________________________

(1) (2) 95

________________________________________

1 ( 1) إبراهيم: 34

2 ( 2) آل عمران: 103

3 ( 1) الفرقان: 44

4 ( 1) النحل: 18

5 ( 2) المصدر السابق: 117

6 ( 3) القلم: 4

7 ( 1) الكافي ج 8 ص 169، ح 190

8 ( 1) الكافي، ج 8 ص 150، ح 131

9 ( 2) المائدة، 67

10 ( 3) الدرّ المنثور، ج 2، ص 298

11 ( 4) المستدرك على الصحيحين، ج 3، ص 533

12 ( 1) أبو طالب هو عبد مناف بن عبد المطّلب، عمّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وكفيله وناصره

13 ( 1) نهج البلاغة، الخطبة 192

14 ( 2) البقرة، 207

15 ( 3) شرح نهج البلاغة: ج 13، ص 261

16 ( 1) المائدة، 67

17 ( 2) المعجم الكبير للطبراني، ج 5 ص 194، الأمالي الطوسي، ص 255 ح 459

18 ( 1) تاريخ دمشق، ج 9، ص 20، تحف العقول، ص 430

19 ( 2) أنساب الأشراف، ص 100

20 ( 3) التوحيد، ص 92- 93

21 ( 4) نهج البلاغة، الحكمة 23

22 ( 5) المصدر السابق، الحكمة 26

23 ( 1) نهج البلاغة، الحكمة 56

24 ( 2) شرح نهج البلاغة، ج 1، ص 207

25 ( 1) الأمالي للصدوق، ص 112، ح 2

26 ( 2) الأمالي للمفيد، ص 260، ح 2

27 ( 1) الكافي، ج 1، ص 460 ح 6

28 ( 2) الخصال، ج 1، ص 225، ح 58

29 ( 3) الأمالي للمفيد، ص 94، ح 4

30 ( 4) أنظر علل الشرايع، ج 1، ص 182، ح 2

31 ( 1) كشف الغمّة، ج 1، ص 498

32 ( 2) دعائم الإسلام، ج 1، ص 268

33 ( 1) آل عمران، 61

34 ( 2) الأحزاب، 33

35 ( 1) الأنعام، 124

36 ( 2) تحف العقول، ص 233

37 ( 3) المصدر السابق

38 ( 4) العدد القوية، ص 38

39 ( 5) نزهة الناظر وتنبيه الخاطر، ص 76، ح 27

40 ( 1) آل عمران، 61

41 ( 2) الأحزاب، 33

42 ( 1) إقبال الأعمال، ص 349

43 ( 2) نزهة الناظر وتنبيه الخاطر، ص 80، ح 4

44 ( 3) النساء، 86

45 ( 4) نزهة الناظر وتنبيه الخاطر، ص 83 ح 8

46 ( 1) اعيان الشيعه ج 1 ص 581

47 ( 2) الشورى، 23

48 ( 1) الرحمن، 60

49 ( 1) الصحيفة السجّادية، الدعاء 15

50 ( 2) وقيل في الثاني عشر

51 ( 1) هود، 84- 86

52 ( 2) تحف العقول، ص 293

53 ( 1) تحف العقول، ص 293

54 ( 2) المصدر السابق، ص 295

55 ( 1) الكافي، ج 2، ص 146، ح 12

56 ( 2) تحف العقول، ص 359

57 ( 3) المصدر السابق

58 ( 4) المصدر السابق

59 ( 1) التوبة، 74

60 ( 2) المصدر السابق، 59

61 ( 3) كنز الفوائد، ص 196

62 ( 1) التوحيد، ص 92، ح 6

63 ( 1) آل عمران، 34؛ مناقب آل أبي طالب، ج 3، ص 434

64 ( 1) الكافي، ج 2، ص 667 ح 9

65 ( 2) تحف العقول، ص 414

66 ( 3) المصدر السابق، ص 408

67 ( 1) تحف العقول، ص 443

68 ( 2) الكافي، ج 2، ص 113 ح 1

69 ( 3) تحف العقول، ص 443

70 ( 1) مريم، 12

71 ( 2) الأحقاف، 15

72 ( 3) بصائر الدرجات، ص 238 ح 10

73 ( 1) مريم 12

74 ( 2) المصدر السابق 29

75 ( 3) الاعراف 99

76 ( 4) تحف العقول، ص 456

77 ( 1) تحف العقول، ص 457

78 ( 2) المصدر السابق

79 ( 1) من لا يحضره الفقيه، ج 4، ص 401، ح 5863

80 ( 2) تحف العقول، ص 483

81 ( 3) المصدر السابق

82 ( 1) تحف العقول، ص 455

83 ( 2) مناقب آل أبي طالب، ج 3، ص 247

84 ( 1) القلم، 4

85 ( 1) تحف العقول، ص 486

86 ( 2) المصدر السابق، ص 487

87 ( 3) المصدر السابق، ص 487

88 ( 4) المصدر السابق، ص 488

89 ( 1) محمّد، 31

90 ( 2) العنكبوت، 3

91 ( 3) آل عمران، 182، الأنفال، 51

92 ( 1) البقرة، 20

93 ( 2) العنكبوت، 14

94 ( 1) المدثر، 31

95 حيدر عبدالكريم، قبسات من حياة النبي و اهل بيته عليهم السلام، 1جلد، نشر مشعر - تهران، 1429 ه. ق..


1- المدثر، 31
2- حيدر عبدالكريم، قبسات من حياة النبي و اهل بيته عليهم السلام، 1جلد، نشر مشعر - تهران، 1429 ه. ق..

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.